سوريا من يفرض سيطرته في لعبة النفوذ الإقليمية التاسعة

سوريا: من يفرض سيطرته في لعبة النفوذ الإقليمية؟ تحليل معمق

لطالما كانت سوريا قلب منطقة الشرق الأوسط، ومحورًا للتفاعلات الجيوسياسية المعقدة. تاريخها العريق، وموقعها الاستراتيجي، وتنوعها العرقي والديني، جعلها ساحة صراع دائمة بين القوى الإقليمية والدولية. الفيديو المعنون سوريا من يفرض سيطرته في لعبة النفوذ الإقليمية التاسعة (https://www.youtube.com/watch?v=I4SwhEXkzPM) يقدم لنا لمحة عن هذه التعقيدات، ويطرح سؤالًا محوريًا حول الجهة التي تمتلك اليد العليا في تحديد مستقبل هذا البلد المنكوب.

للإجابة على هذا السؤال، لا بد من فهم طبيعة القوى المتصارعة، وأهدافها، والأدوات التي تستخدمها لتحقيق هذه الأهداف. يمكن تقسيم هذه القوى إلى عدة فئات رئيسية:

القوى الداخلية:

• النظام السوري: بقيادة الرئيس بشار الأسد، استطاع النظام، وبدعم حلفائه، الحفاظ على قبضته على السلطة، رغم سنوات الحرب الطاحنة. يسيطر النظام حاليًا على الجزء الأكبر من الأراضي السورية، بما في ذلك المدن الرئيسية مثل دمشق وحلب واللاذقية. هدفه الرئيسي هو استعادة كامل سيطرته على البلاد، والقضاء على أي تهديد لسلطته. يعتمد النظام بشكل كبير على الدعم العسكري والاقتصادي من روسيا وإيران.
• قوات سوريا الديمقراطية (قسد): تتكون بشكل أساسي من وحدات حماية الشعب الكردية، وتسيطر على مناطق واسعة في شمال شرق سوريا، بما في ذلك حقول النفط الهامة. تعتبر قسد حليفًا للولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم داعش، وتطالب بحكم ذاتي في المناطق التي تسيطر عليها. تواجه قسد تحديات كبيرة، بما في ذلك التهديدات المستمرة من تركيا، والعلاقات المتوترة مع النظام السوري.
• فصائل المعارضة المسلحة: تراجعت قوة فصائل المعارضة بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، بعد خسارتها لمعظم المناطق التي كانت تسيطر عليها. تسيطر بعض هذه الفصائل على جيوب صغيرة في شمال غرب سوريا، وتعتمد بشكل كبير على الدعم التركي. تعاني فصائل المعارضة من الانقسامات الداخلية، وعدم وجود رؤية موحدة للمستقبل.
• تنظيم داعش: رغم هزيمته العسكرية في عام 2019، لا يزال تنظيم داعش يشكل تهديدًا في سوريا، حيث ينشط في خلايا سرية، وينفذ هجمات متفرقة. يسعى التنظيم إلى استعادة نفوذه في البلاد، واستغلال الفوضى والفراغ الأمني لصالحه.

القوى الإقليمية:

• تركيا: تتدخل تركيا بشكل مباشر في سوريا، وتسيطر على مناطق واسعة في شمال البلاد، من خلال عمليات عسكرية متتالية. تهدف تركيا إلى منع قيام كيان كردي مستقل على حدودها الجنوبية، وحماية مصالحها الأمنية والاقتصادية في سوريا. تدعم تركيا فصائل المعارضة المسلحة، وتعتبر النظام السوري تهديدًا لأمنها القومي.
• إيران: تعتبر إيران حليفًا استراتيجيًا للنظام السوري، وقدمت له دعمًا عسكريًا واقتصاديًا كبيرًا خلال الحرب. تهدف إيران إلى الحفاظ على نفوذها في سوريا، واستخدامها كجزء من محور المقاومة ضد إسرائيل والولايات المتحدة. تتواجد قوات إيرانية وميليشيات مدعومة من إيران في مناطق مختلفة من سوريا.
• إسرائيل: تراقب إسرائيل الوضع في سوريا عن كثب، وتعتبر الوجود الإيراني هناك تهديدًا لأمنها القومي. تشن إسرائيل ضربات جوية متكررة على أهداف إيرانية وأهداف لحزب الله في سوريا. تهدف إسرائيل إلى منع إيران من ترسيخ وجودها العسكري في سوريا، ومنع نقل الأسلحة إلى حزب الله في لبنان.
• دول الخليج: لعبت دول الخليج دورًا هامًا في الأزمة السورية، حيث دعمت بعضها فصائل المعارضة المسلحة، وقدمت لها مساعدات مالية وعسكرية. تراجعت حدة تدخل دول الخليج في سوريا خلال السنوات الأخيرة، لكنها لا تزال تلعب دورًا في محاولات التوصل إلى حل سياسي للأزمة.

القوى الدولية:

• روسيا: تعتبر روسيا الحليف الأقوى للنظام السوري، وقدمت له دعمًا عسكريًا حاسمًا ساهم في تغيير ميزان القوى على الأرض. تهدف روسيا إلى الحفاظ على نفوذها في سوريا، وحماية مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، بما في ذلك قاعدتها البحرية في طرطوس. تعتبر روسيا أيضًا وسيطًا رئيسيًا في محادثات السلام السورية.
• الولايات المتحدة: تدعم الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية في الحرب ضد تنظيم داعش، وتتواجد قوات أمريكية في شمال شرق سوريا. تهدف الولايات المتحدة إلى منع عودة تنظيم داعش، وممارسة الضغط على النظام السوري للتفاوض على حل سياسي للأزمة. تفرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على النظام السوري، وتعارض وجود إيران في سوريا.
• الأمم المتحدة: تلعب الأمم المتحدة دورًا هامًا في تقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري، ومحاولة التوصل إلى حل سياسي للأزمة. تشرف الأمم المتحدة على محادثات السلام السورية، وتعمل على مراقبة وقف إطلاق النار.

بالنظر إلى هذا المشهد المعقد، يصبح من الصعب تحديد الجهة التي تفرض سيطرتها بشكل كامل في سوريا. يمكن القول أن سوريا هي ساحة صراع مفتوحة، تتنافس فيها قوى متعددة لتحقيق مصالحها. النظام السوري، بدعم من روسيا وإيران، يسيطر على الجزء الأكبر من البلاد، لكنه لا يزال يواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك التمردات المسلحة، والوضع الاقتصادي المتردي، والعقوبات الدولية.

قوات سوريا الديمقراطية تسيطر على مناطق هامة في شمال شرق سوريا، لكنها تواجه تهديدات مستمرة من تركيا، وتعتمد بشكل كبير على الدعم الأمريكي. تركيا تتدخل بشكل مباشر في سوريا، وتحاول منع قيام كيان كردي مستقل على حدودها. إيران تحافظ على نفوذها في سوريا، وتستخدمها كجزء من استراتيجيتها الإقليمية. إسرائيل تشن ضربات جوية متكررة على أهداف إيرانية في سوريا، لمنع ترسيخ وجودها العسكري.

في ظل هذه الظروف، يبدو أن الحل السياسي للأزمة السورية هو الحل الوحيد الممكن لتحقيق الاستقرار في البلاد. يتطلب هذا الحل توافقًا بين جميع الأطراف المتصارعة، وبدعم من القوى الإقليمية والدولية. يجب أن يتضمن الحل السياسي ضمان حقوق جميع السوريين، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل جميع مكونات المجتمع السوري، وإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة.

لكن تحقيق هذا الحل ليس بالأمر السهل، في ظل تضارب المصالح، وغياب الثقة بين الأطراف المتصارعة. يبقى السؤال: هل ستتمكن سوريا من الخروج من هذه الدائرة المفرغة من العنف والصراع؟ وهل ستتمكن القوى الإقليمية والدولية من التوصل إلى توافق يسمح بتحقيق السلام والاستقرار في هذا البلد المنكوب؟ الإجابة على هذه الأسئلة ستحدد مستقبل سوريا، ومستقبل المنطقة بأكملها.

تحليل الفيديو المشار إليه يقدم نظرة ثاقبة حول هذه التحديات، ويسلط الضوء على أهمية فهم ديناميكيات الصراع المعقدة في سوريا، من أجل التوصل إلى حلول مستدامة.